المرونة في مواجهة التحديات: كيف تتغلب على تراجع سوق العقارات؟
مرونة قطاع البناء في كندا رغم التحديات والركود السكني
أظهرت الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع البناء الكندي مرونة ملحوظة وسط التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد في عام 2024. فقد حافظت على استقرار العمالة، وشهدت نموًا في مشاريع البناء غير السكنية، كما انخفضت تكاليف البناء بالرغم من ارتفاع معدلات الاقتراض والركود في القطاع السكني. وقد أصدرت الجمعية الكندية للبناء (CCA) تقريرًا ربع سنويًا في أغسطس يقدم تحليلًا شاملًا لقطاع البناء الكندي ويستعرض التحديات والنجاحات التي شهدها هذا القطاع.
السياق الاقتصادي والسياسة النقدية
في الربع الأول من عام 2024، سجل الاقتصاد الكندي نموًا متواضعًا بنسبة 0.6%. ومع ذلك، لا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد أقل بنسبة 3% عن مستويات ما قبل الجائحة لعام 2019، وقد ظل ثابتاً إلى حد كبير على مدار العقد الماضي. بالمقابل، شهد الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الولايات المتحدة زيادة بنسبة 7% بفضل قوة قطاع الخدمات، مما يبرز الفجوة الكبيرة بين الاقتصادين.
هذا النمو البطيء للاقتصاد الكندي ساهم في تقليل الضغوط التضخمية، مما أتاح لبنك كندا تنفيذ أول تخفيضات لمعدلات الفائدة منذ أربع سنوات. ففي يونيو ويوليو من عام 2024 تم خفض معدل الفائدة إلى 4.50%، وهو ما يتماشى مع إجراءات البنوك المركزية الأخرى مثل سويسرا والسويد والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك يبقى المعدل الكندي أعلى من النطاق المحايد الذي يقدره البنك والذي يتراوح بين 2.25% و3.25%.
أداء قطاع البناء
شهدت صناعة البناء الكندية نشاطاً محدوداً خلال الربع الأول من عام 2024 حيث بلغ إجمالي النمو فقط نسبة 0.1%. هذه الأرقام المتواضعة تخفي انكماشاً أكبر في القطاع السكني حيث تراجعت الأنشطة بنسبة تصل إلى 1.1% مما أثر سلبياً على الأداء العام للقطاع بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الطلب.
من ناحية أخرى ، نما بناء المشاريع غير السكنية بنسبة بلغت %0,6 ، ليواصل سلسلة نموه لمدة تسعة أرباع متتالية مدفوعاً بزيادة معتدلة في الاستثمارات الصناعية والمؤسسية.
كما ساهمت أنشطة الإصلاح والهندسة بشكل إيجابي أيضاً حيث انتعشت الأخيرة بمعدل %1 بعد ربعين من الانكماش خلال عام 2023 ، وهو ما يعد مؤشراً مهماً لاستدامة النمو العام للقطاع.
اتجاهات الاستثمار
قدم الاستثمار في قطاع البناء صورة مختلطة؛ فقد شهد قطاع بناء المباني انخفاضاً قدره %0,6 بسبب تراجع قدره %3,6 فيما يتعلق بالبناء متعدد الوحدات السكنية.
على الجانب الآخر ، حافظ القطاع غير السكني على مسار نموه للربع التاسع على التوالي ولكن بوتيرة أبطأ؛ إذ ارتفعت الاستثمارات بمعدل %0,2 لتضيف حوالي $152 مليون لهذا القطاع . وكانت المكاسب الأكثر وضوحا هي تلك التي تحققت عبر مشاريع الإنشاء الصناعي والتي زادت بمعدل %1,2 ($57 مليون) ومشاريع الإنشاء المؤسسي التي حققت زيادة قوية بلغت %4,6 بإضافة $165 مليون .
ومع ذلك لم تتبع مشاريع الإنشاء التجاري هذا الاتجاه الإيجابي بل عانت من انكماش مستمر للربع السادس توالياً بتراجع نسبته %2,5 بإجمالي استثمارات بلغ $71 مليون .
ديناميكيات الأعمال ومرونة القطاع
يسيطر على صناعة البناء الكندية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs)، حيث يوجد حوالي 396000 شركة نشطة حتى عام 2023 . وتمثل الشركات الصغيرة التي تضم أقل من 100 موظف جزءً كبيرً بينما تشكل الشركات الدقيقة (من موظف واحد إلى أربعة) نحو 68% من الإجمالي . أما الشركات المتوسطة فتشكل فقط 0,8% والشركات الكبيرة (أكثر من 500 موظف) تقل عن نسبة 1% .
تعاني SMEs عادةً أكثر عند حدوث الركود الاقتصادي بسبب احتياطاتها المالية المحدودة ولكنها أثبتت قدرتها على الصمود مع زيادة عدد الأعمال النشطة خلال العام الحالي واستقرار خروج الأعمال بحيث أصبح هناك عدد أقل يغادر السوق مقارنة بالانخفاض التاريخي المسجل خلال الربع الثاني لعام 2020 .
تكاليف المواد واتجاهات الأسعار
شهدت تكاليف المواد تغيرات متنوعة خلال الربع الأول لعام 2024 ؛ إذ ارتفع مؤشر أسعار مواد البناء (BCPI) بنحو 0,77٪ مستمراً بذلك تباطؤه للأرباع الخمسة الماضية وهو ما يعد مؤشراً إيجابياً للمستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين لأنه يشير إلى تباطؤ ضغوط الأسعار .
بينما انخفض مؤشر أسعار المنتجات الصناعية IPPI قليلاً بنحو 0,21٪ إلا أن هذا يخفي اختلافات كبيرة عبر فئات المنتجات المختلفة؛ فقد زادت مجموعة المواد الكيميائية ومنتجاتها بنحو 0,63٪ بينما ارتفع سعر الأسمنت وبعض المعادن غير المعدنية بنحو 2,93٪ .
أما مجموعة منتجات الطاقة فقد شهدت انخفاضا ملحوظا بلغ 4,25٪ مع تراجع حاد لأسعار النفط المكرر والبنزين ووقود الديزل بينما زادت أسعار الأخشاب ومنتجات الخشب بحوالي 2 ,42 ٪ نتيجة لارتفاع أسعار خشب الصنوبر اللين والذي قد يؤثر بدوره على تكاليف المشاريع الإنشائية خاصةً تلك المتعلقة بالمباني التجارية والسكنية .
معدل استخدام القدرة الإنتاجية
ارتفع معدل استخدام القدرة الإنتاجية لقطاع الإنشاء إلى 86 ,7 ٪ خلال الربع الأول لعام 2024 مما يدل علي استقرار وانتعاش طفيف بعد الانخفاض السابق وهذا يشير إلي زيادة الطلب وتحسين كفاءة العمليات وهو علامة إيجابية لنشاط الإنشاء المستقبلي .
النظرة المستقبلية
بالنظر للأمام فإن النظرة المستقبلية لصناعة البناء تبدو متفائلة بحذر؛ إذ يمكن أن تؤدي تخفيضات معدلات الفائدة لتحسين البيئة المالية بشكل أكبر خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي أثبتت قدرتها علي الصمود رغم الضغوط الاقتصادية الحالية لكن لا تزال هناك مخاطر محتملة تتعلق بالتغيرات السياسية والتعريفات الدولية وتقلب أسعار النفط العالمية بالإضافة إلي نقص العمالة الذي يمثل مصدر قلق كبير للكثيرين الذين يتوقعون استمرار صعوبة تأمين العمال المهرة.